في زمن السرعة الرقمية .. من هو الصحفي ومن هو الناشط؟

كاتب المقال:

في زمنٍ تتداخل فيه الأدوار، وتتشابك فيه الأصوات، وتتسارع فيه وتيرة نقل الأخبار، وتتنافس فيه السرعة على حساب الدقة، أصبح التمييز بين الصحفي والناشط على مواقع التواصل الاجتماعي أمراً ضرورياً.

فكلاهما يتعامل مع المعلومة وينشرها للجمهور، ويؤثر في الرأي العام، لكن الفارق بينهما كبير من حيث المنهجية والمسؤولية والمجال والهدف.

لهذا وجب علينا أن نسأل: من هو الصحفي؟ ومن هو الناشط؟

الصحفي .. مهنة الدقة والمسؤولية،،

الصحفي هو صاحب مهنة قائمة على الأمانة والدقة، يخضع في عمله لمعايير مهنية وأخلاقية صارمة، تقوم على التحقق من المصادر، وتحليل الوقائع، وتقديم المعلومة بموضوعية وحياد، وهو لا يكتفي بنقل الحدث كما هو، بل يفسّره ويحلله ويضعه في سياقه، ليقدّم للجمهور صورة متوازنة لما يجري على أرض الواقع.

ويعمل الصحفي ضمن منظومة مؤسسية مثل الصحف الورقية والإلكترونية، والقنوات التلفزيونية والإذاعية، ووكالات الأنباء، والمواقع الإخبارية، والمنصات المتخصصة، وغالباً ما يكون حاملاً لبطاقة صحفية رسمية تتيح له الوصول إلى مصادر المعلومات والمواقع الميدانية، وتحمّله في المقابل مسؤولية قانونية ومهنية أمام المجتمع والقانون.

وتقوم مهنة الصحافة على مبادئ راسخة، أبرزها، الصدق والدقة في نقل المعلومة، والحياد والموضوعية، واحترام الخصوصية وكرامة الأفراد، والابتعاد عن الشائعات والتحريض والكراهية.

لهذا كله .. فالصحفي ليس ناقلاً عابراً للحدث، بل صانع وعي عام يسهم في بناء الرأي العام على أسس من الحقيقة والمعرفة.

الناشط .. صوت الناس في الفضاء المفتوح،،

أما الناشط على مواقع التواصل الاجتماعي، فهو ابن العصر الرقمي، يتحرك بدافع ذاتي أو مجتمعي، ويستخدم أدواته الحديثة — من فيسبوك إلى إكس (تويتر) وإنستغرام وتيك توك وغيرها — لنقل الأحداث أو للتعبير عن رأيه.

وقد يكون ناشطاً اجتماعياً أو سياسياً أو حقوقياً أو بيئياً أو رياضياً الخ، ويسعى للتأثير في الناس وإثارة النقاش حول قضايا تمسّ حياتهم اليومية.

ويمتاز الناشط بسرعة الوصول إلى الجمهور وقدرته على تحريك التفاعل الفوري، لكنه في المقابل لا يخضع عادةً لمدونات سلوك أو مواثيق مهنية، ما يجعله عرضة — أحياناً — لارتكاب أخطاء في نقل المعلومة أو التسرّع في الحكم قبل التحقق، وهنا يكمن التحدي الأكبر في أن يتحوّل الحماس إلى مسؤولية، والتأثير إلى وعي.

نقاط الالتقاء والاختلاف،،

يتقاطع الصحفي والناشط في هدف واحد وهو نقل الحقيقة وإيصال الصوت، لكنهما يختلفان في الطريق المؤدي إليها، فالصحفي يعمل وفق مؤسسات وقوانين ومعايير مهنية، ويتحمّل مسؤولية قانونية عمّا ينشره.

اما الناشط فهو يتحرك بشكل فردي، ويخضع فقط لقوانين النشر الإلكتروني العامة، ويعبر عن رأي أو موقف أكثر مما ينقل خبراً موثقاً.

ومع ذلك، يمكن أن يكون الناشط عيناً ميدانية للحدث، يلتقط ما قد لا تصل إليه المؤسسات الإعلامية، بينما يقوم الصحفي بتحليل المعلومة وتدقيقها وتحويلها إلى مادة إخبارية موثوقة.

الصحفي والناشط .. شريكان في صناعة الوعي،،

في عالم اليوم، لم يعد الصحفي في معزل عن الفضاء الرقمي، ولا يمكن تجاهل أثر الناشط في تشكيل الرأي العام، فكلاهما أصبح جزءاً من منظومة إعلامية متكاملة، يقوم أحدهما بالتنبيه والآخر بالتحقيق، وهذا يثير السؤال والآخر يبحث عن الجواب.

وعندما يلتقي الصدق المهني بالوعي المجتمعي، تصبح الحقيقة أكثر وضوحاً، والمجتمع أكثر إدراكاً، والإعلام أكثر تفاعلاً وإنسانية.

إقرأ أيضاً للكاتب:

اضف تعليقك