□ قضيت النصف الثاني من الليل حتى طلوع فجر الجمعة، في سمرة حضرمية (مساحة)، تبارى خلالها ناشطو الحضارم في مناقشة ما يتفاعل على ساحات المدن الحضرمية، بعواطف وطنية. وكان بينهم حضرمي يتحدث من غرب الأطلسي، ويدّعي أنه يتحدث عن اطلاع ومعلومات، لا مجرد اجتهادات. دافع عن المحافظ مبخوت بن ماضي، وهاجم زعيم حلف قبائل حضرموت، محمّلاً إياه كل ما يحدث لحضرموت. ولأن “شواله” (جعبته) كانت مليئة “بالهرفات”، رغبتُ في التدخل لدفع النقاش في اتجاه القضية الحضرمية.
ومن دون أن أطلب الكلمة، ولمجرد ظهوري كمستمع، طالب ثلاثة من المشاركين مدير الندوة بإعطائي الميكروفون. واصل أخونا حديثه قائلاً: “ملف القاضي أكرم العامري وقرار تعيينه موقف من قبل المملكة العربية السعودية”، وردد ما يدّعي أنه معلومات، قائلاً: “عليكم أن تفهموا أن مبخوت هو المحافظ، ومسنود من الإمارات العربية المتحدة، ولن يُعيّن محافظ لحضرموت إلا بتفاهم إماراتي – سعودي، لا العليمي ولا مجلس رئاسته!”، ناسياً أنه قبل دقائق كان يؤكد على الشرعية وشرعية المحافظ.
هنا رفعت يدي طالباً الكلمة، فقال مدير الحلقة : “أخي، أنهِ كلامك لنعطي الكلمة لباوزير”، لكنه لم يتجاوب واستمر… مما اضطرني للدخول عنوة!
◻️◻️🔹◻️◻️
■ بدأت حديثي بتحية “صباح الخير على الجميع، ومساء الأنوار للأستاذ”، بهدف التهدئة. لكنه – وللأسف – رد بكلمة : “لا تطبّلوا للحلف!”، واستمر، فقلت له: “توقف أنت، طار بن علون!”، ولم يتوقف.
خاطبته قائلاً: “أخي، هذا ليس حواراً. وأربأ بك عن خوار وتناطح ثيران. وعلى مدير الحلقة أن يضبط النقاش”. تدخّل المدير، وأظنه أوقف عنه الميكروفون، أو شعر بالحرج.
◻️◻️🔹◻️◻️
■ باشرت الحديث بمقدمة لتغيير مسار النقاش، تقديراً لنوعية البعض واحتراماً لوعيهم، واختصرت في الآتي:
إذا كانت المملكة العربية السعودية، وهي الدولة القائدة والمحورية في السياسة الدولية، معترضة على ترشيح العامري، فهذا يسرّني شخصياً ويدعم بشكل غير مباشر دور مؤتمر حضرموت الجامع للنهوض بدوره السياسي وتحمل مسؤولية القضية الحضرمية. وبكل تأكيد، لن يعترض الحضارم على مواقفها، لثقتهم في قيادتها عبر الحقب التاريخية، من عهد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، وحتى قيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. فضلاً عن أن صاحبنا يتحدث برغبوية لا تستند إلى منطق أو معلومات كما يدّعي.
أنا لست مع أي دور وظيفي للأخ أكرم العامري في هذه المرحلة الهشة، بل البالغة السيولة، فضلاً عن ضرورة وحدة وتنظيم النضال المجتمعي، وهو الأهم والأكبر من منصب محافظ على الصعيد السياسي. وعليه، كأمين عام للجامع الحضرمي، أن يعيد تنظيم البنى الهيكلية للجامع، وتطعيم مكاتبه بكفاءات فكرية وسياسية من خلال مؤتمر استثنائي يرأسه زعيم الحلف ورئيس الجامع، الأخ الشيخ عمرو بن حبريش، لوضع خطة عمل وتفعيل نشاط مدني يسند الحلف ويعتمد على قواه المجتمعية. وهذا ضروري ويجب التفكير فيه، لا في تعيين محافظ يسبق الاتفاق على “الحكم الذاتي” مع أطراف الشرعية والتحالف، وبالذات من تربطنا بهم روابط التاريخ والجغرافيا والديمغرافيا. وفي تقديري، يوجد ما لا يقل عن 1.5 مليون سعودي – حضرمي، يتطلعون لأن تلعب حضرموت دورها في استقرار المنطقة السياسي والأمني والاقتصادي، وتجسير العلاقات على أسس استراتيجية مستقبلية، بعيداً عن الرغبوية والتمنيات.
أنا هنا، في هذه المساحة، لا أتردد في مطالبة الأخ الشيخ عمرو ورفاقه في الحلف والجامع بأن يعتبروا ما وصلوا إليه مرحلة تمهيدية، لا تتعدى تعريف المجتمع الحضرمي بحدود قدراته، ويجب أن تؤسس لما بعدها. فالقضية الحضرمية لم تعد مجرد خدمات، بل مشروع هدفه تمكين أبناء حضرموت من إدارة حضرموت بمؤسسات حكم نظيفة ومهنية. والحضارم لديهم من الكفاءات العلمية والخبرات والموارد ما يمكّنهم من التحرر من الحاجة لغيرهم، وهو ما يجب التفكير فيه، لا السقوط في فخ المناصب، قبل هيكلة إدارة حضرموت وفق حكم ذاتي واضح البُنى التنفيذية والرقابية. وقد ناقشت هذا الجانب مع الأخ العامري قبل بضعة أشهر، ولم أجد منه إلا إدراكاً سياسياً أصيلاً وتجاوباً يعكس فهم صاحب قضية.
◻️◻️🔹◻️◻️
■ أنهيت حديثي، وللأسف، لم يعد الأستاذ المتحدث من غرب الأطلسي إلى النقاش، ربما لجدية الطرح وموضوعيته. وكنت أتمنى لو أنه شارك، وبالطريقة التي تُخرج حواراتنا من “عصيد العجر!!” الذي يدفع بالبعض إليه، إما بسذاجة أو باستخفاف بجدية الحلف، والدور السياسي للجامع، في هذه المرحلة المفصلية والتاريخية. المرحلة التي عليهم فيها استعادة دور الحضارم في رسم مستقبلهم، وفرض حضورهم في أي تسوية يمانية تُحضَّر لها أو ستفرضها الأحداث.
فالليالي مثقلات حُبالاً… يلدن في كل يوم جديد… وعلينا أن نستعد.