في مقطع مرئي نُشر قبل نحو أسبوعين على صفحة الزميل عماد الديني بمنصة «فيسبوك» ، ظهر رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي وهو يؤكد رفضه لممارسات تكميم الأفواه وملاحقة الصحفيين ومحاكمتهم بسبب كتاباتهم، معتبرًا أن ذلك «عمل الميليشيات»! .
لكن الواقع المؤلم في بلادنا يضع هذا التصريح موضع تساؤل، إذ لا تزال حرية الصحافة في مرمى القمع، ويظل الصحفي يدفع ثمن الكلمة متى ما لامس الحقيقة أو أشار إلى مكامن الخلل.
هذه المعاناة ليست جديدة، بل تمتد جذورها إلى مراحل سابقة. ففي أوج الحملة السياسية ضد الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، ففتحت الأبواب لوسائل الإعلام لتنتقده علنًا، في تلك الفترة، نشرت صحيفة «الثوري» الناطقة باسم الحزب الاشتراكي اليمني، مقالة جريئة لصحفي شاب، هاجم فيها صالح بشدة، ودعا اليمنيين إلى التعبير عن غضبهم باستخدام «أحذيتهم» كرمز للاحتجاج.
رد الفعل لم يكن مستغربًا. فالتوجيه المعنوي، التابع مباشرة لصالح، استنفر كتّابه وإعلامييه لشن حملة مضادة، قُدّمت فيها الشتائم كتحليلات سياسية، وتحول النقد إلى خيانة، وتحول الصحفي إلى عدو يجب إسقاطه لا محاورته.
المفارقة ، أن ذلك الصحفي الشاب لم يُختطف، ولم يُزج به في المعتقلات، بل دُعي إلى جلسة مصالحة وتطيب خاطره، لم يكن هذا دلالة على تسامح النظام السابق، بل على ذكائه في احتواء الموقف، حيث اعتُبرت الواقعة «فورة شباب» وطُويت الصفحة.
لكنّ الزمن يدور، والقبضة تشتد، وما نشهده اليوم من ملاحقات للصحفيين والنشطاء الإعلاميين بسبب منشور فيسبوكي أو تغريدة ناقدة، يعكس واقعًا أكثر قسوة.. لم يعد هناك توجيه معنوي يرد على رأي مخالف ، بل أوامر اعتقال، وتحقيقات مطوّلة، وربما اختفاء قسري.
ما جرى للزميل مزاحم باجابر ليس سوى حلقة في سلسلة طويلة من الاعتداءات على الصحافة الحرة. أصبح كل صحفي مطالبًا بأن يزن كلماته بميزان الخوف، لا بميزان الضمير ، وهو أمر لا يليق بدولة تدّعي الانفتاح والديمقراطية .
نقول لأصحاب القرار: إن حرية التعبير ، حق مكفول بموجب القوانين الوطنية والمواثيق الدولية، لا يجوز مصادرته أو التضييق عليه تحت أي ذريعة، والكلمة الحرة لا تُجرَّم، كما أن النقد البنّاء لا يُواجه بالإجراءات القمعية، وإذا أخطأ الصحفي، فالمسار الطبيعي ليس في الزجّ به في دهاليز الأمن، بل في محاورته والرد عليه بالحجة والمنطق، وإن تجاوز فمحاسبته، يجب أن تتم وفقًا لضمانات المحاكمة العادلة، وليس عبر الاعتقال التعسفي أو الملاحقات الأمنية.. فالصحافة سلطة رابعة، وشريك أساسي في ترسيخ مبادئ الشفافية والمساءلة.
رحم الله من وعى هذه الحقيقة، حيًّا كان أو ميتًا.