تتجه محافظة حضرموت منذ منتصف عام 2024م، إلى منعطف سياسي حاسم، وسط تصاعد غير مسبوق في حدة التجاذبات بين القوى المحلية والإقليمية، نتيجة تراكم الأزمات السياسية والخدمية والمعيشية، وتغييب المعالجات الجادة من قبل السلطة التنفيذية ومجلس القيادة الرئاسي، مما أفضى إلى تحول المطالب الحقوقية إلى قضية سياسية بامتياز.
في هذا السياق جاء قرار رئيس حلف قبائل حضرموت رئيس مؤتمر حضرموت الجامع الشيخ عمرو بن حبريش الصادر في 12 مايو 2025م بتشكيل فريق متخصص لإعداد الوثائق الأساسية لتحقيق مشروع الحكم الذاتي في حضرموت، برئاسة الدكتور عبد العزيز صالح جابر، رئيس الدائرة السياسية بمؤتمر حضرموت الجامع، ليعكس بوضوح نضوج هذا التوجه كخيار استراتيجي لمواجهة ما وصفه الكثيرون بـ”التجاهل الرسمي” من قبل المركز تجاه معاناة حضرموت المتراكمة.
إن هذا القرار لم يأت من فراغ بل هو نتاج مسار متراكم من التفاعل السياسي والاجتماعي قاده حلف قبائل حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع، الذي عقد اجتماعًا استثنائيًا في 13 يوليو 2024م، ضم قيادات الأطر التنظيمية، لمناقشة الأوضاع المتدهورة التي تعيشها المحافظة، وقد خلص هذا الاجتماع إلى ضرورة إعادة ضبط العلاقة بين حضرموت والمركز، وإعادة النظر في شكل السلطة وإدارة الموارد، بما يكفل للحضارم حقهم في تقرير مسارهم السياسي والتنموي، وفقًا لخصوصية حضرموت التاريخية والجغرافية والاقتصادية.
وفي ظل تعثر الدولة المركزية عن تقديم حلول جذرية، وغياب الإرادة السياسية لدى مجلس القيادة الرئاسي في التعاطي الجاد مع مطالب الحضارم المشروعة ، تتصاعد حدة الشعور بأن حضرموت لم تعد قادرة على الاستمرار في موقع المتلقي السلبي للقرارات والسياسات التي تُدار من خارجها، وقد أدى هذا الإهمال إلى تأجيج الغضب الشعبي والسياسي، خاصة مع تصاعد الدعوات في الداخل الحضرمي بضرورة تمكين أبنائها من إدارة ثرواتهم ومواردهم وإقرار سياساتهم التنموية بأنفسهم.
إن حضرموت التي تُعد من أغنى المحافظات اليمنية بالنفط والغاز والمعادن، وتتمتع بأطول ساحل على المحيط الهندي، لم تحصد من هذه المزايا سوى مزيد من التهميش والاقصاء والصراعات السياسية ، وتحولت هذه الثروات من عنصر قوة إلى ساحة صراع بين أطراف محلية وخارجية ترى في حضرموت ورقة استراتيجية ضمن الحسابات الوطنية والإقليمية ، ومع ذلك فإن أبناء حضرموت إذا ما استطاعوا تجاوز الانقسامات الداخلية وتوحيد جهودهم، يمكنهم فرض مشروعهم السياسي كأمر واقع مستند إلى الحقوق والمواثيق الدولية ، غير أن عدم تعاطي رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي مع التحركات الحضرمية بالجدية المطلوبة، واستمرارهم في سياسة الإقصاء والوعود المؤجلة، قد يدفع بالأوضاع نحو خيارات أكثر حدة، وربما يصعب احتواؤها في المستقبل،خاصة في ظل تراجع الثقة بالمركز، من هنا يجب التنبه من صناع القرار في الحكومة الشرعية ومجلس القيادة الرئاسي أن مشروع الحكم الذاتي الذي يطرح اليوم بقوة ،فهو لا يُطرح فقط كخيار سياسي، بل كضرورة ملحّة تفرضها الوقائع الموضوعية للحفاظ على السلم المجتمعي وتحقيق التنمية المستدامة في حضرموت ، وهو ليس مشروعًا للانفصال، بل مبادرة لإعادة تصحيح العلاقة بين حضرموت والدولة المركزية على قاعدة الشراكة والتمكين واحترام الإرادة الشعبية لأبناء حضرموت ، وهو الخيار الوحيد الذي يوفر مظلة آمنة لاستقرار المحافظة، وإبعادها عن حروب النفوذ والصراعات الجيوسياسية، ويمنحها القدرة على النهوض بمقدراتها وفق رؤيتها الذاتية.
في المحصلة فإن حضرموت تقف اليوم على مفترق طرق، فإما أن يتم التجاوب الفعلي مع إرادة أبنائها في إدارة شؤونهم بواقعية بعيدا عن حسابات السياسة الضيقة ، أو أن تتجه الأوضاع فيها نحو مزيد من التعقيد والتأزيم، وبما لا يخدم استقرار اليمن ولا أمن الإقليم.