لم تكن ساحة العروض عصر السبت مجرّد مكان لوقفة احتجاجية، بل مسرحًا لصوت نسائي حرّ، خرج من قلب الألم ليعلن كفى.. نساء عدن – بأقدام ثابتة وهامات مرفوعة – تقدّمن الصفوف، وكسرن حاجز الصمت الطويل، في مشهد هو الأبلغ في التعبير عن شجاعة مجتمع بأسره، طال صبره ونفد احتماله.
حرائر عدن.. أمهات، عاملات، طالبات، حملن معهن هموم البيوت، معاناة الأطفال تحت وهج الحرّ، صرخات المرضى في مستشفيات بلا كهرباء، وألم المعلمين الذين يدرّسون بلا أمل في راتب أو تقدير .. خرجن لا لأنهن اعتدن الخروج، بل لأنهن أُجبرن عليه.. لأن الظلام لم يعد ينحصر في انقطاع التيار، بل تسلّل إلى تفاصيل الحياة.
«ثورة النسوان» ، كما أطلقن عليها، لم تكن صرخة في الفراغ، بل رسالة مباشرة إلى صانعي القرار، تطالب بتحرك فعلي وانتشال المدينة من واقعها المتردي.. طالبن بحقوقٍ إنسانية لا تقبل التسويف : خدمات صحية وتعليمية مستقرة، رواتب تكفي الحد الأدنى من الكرامة، و كهرباء لا تنهار مع أول موجة حر.
بصوت واحد ، جعلن الساحة منصة للكرامة، وردّدن الهتاف الأوضح : «لا سياسة ولا تسييس.. مطلبنا خدمات» ، ليؤكدن أن معركتهن ليست سوى من أجل حق إنساني بسيط : العيش الكريم.
وقفت حرائر عدن كالجبال، لا تهاون ولا انكسار، يحركهن وجع الناس لا أجندات.. لم يكن في تلك الوقفة ما يُطلب فيه صدقة من الدولة، بل مطالبة صريحة بحقوق ، أهملتها السلطات .. الكهرباء، المياه، التعليم، الصحة، الرواتب… كل ما يجب أن يكون بديهيًا، أصبح ترفًا في مدينة أنهكها التهميش.
عدن التي أحرقت الحرب وجهها الجميل، كانت أمس أكثر إشراقًا بوجوه نسائها في الساحة.. هنّ من أعطن المدينة صوتًا جديدًا، ليس بالصراخ، بل بالوعي، ليس بالضجيج، بل بالثبات.
رسالة النساء كانت واضحة : نحن لا نحتج فقط، نحن نحمي ما تبقى من حياة.. نحن من نُضيء بيوتنا بشجاعة حين تنطفئ الكهرباء، ونُدرّس أبناءنا بلا أقلام، ونقف في طوابير الدواء بلا يأس.
في وقفتهن، كان للعزة عنوان، وللوجع نبض، وللأمل فرصة.. ولهذا، فإنّ ما جرى في عدن ليس مجرد مظاهرة، بل ولادة لوعي جديد، تقوده النساء.
تحية لحرائر عدن، وهنّ يهتفن: «الشعب يريد حياة كريمة» .