تُعَدُّ حضرموت، بما تختزنه من عمق جغرافي، وحضاري، واقتصادي، حجر الزاوية في معادلة اليمن الكبرى؛ فهي الرقم الصعب الذي لا يمكن تجاوزه. وإذا كان دورها في الساحة اليمنية أمراً جلياً لا يغفله أحد، فإنّ أهميتها الإقليمية والدولية لا تقل شأناً، بل تزيد، وإن كان مقام هذا المقال لا يتسع للخوض في تفاصيلها الواسعة.
اليوم، صارت حضرموت محط أنظار الإقليم، ومركز اهتمام القوى الدولية، لما لها من تأثير حاسم في صياغة مسار أي تسوية قادمة لليمن، ضمن مشهد إقليمي مضطرب، تتسابق فيه المصالح، وتتعدد فيه الرهانات.
وفي هذا السياق، جاء لقاء محافظ حضرموت بالسفير الأمريكي محمَّلاً بالرسائل والدلالات العميقة؛ إذ يؤكد الامريكيين، الذين تربطهم بالمملكة علاقات استراتيجية وطيدة، أن حضرموت باتت محط اهتمام الجميع، لما تُمثله من موقع حيوي وحساس. ولا شك أن رسائل أخرى، علنيةً كانت أم خفيّة، ستُوجَّه إلى الأطراف السياسية اليمنية كافة، تحثهم على النأي بحضرموت عن الصراعات العبثية، والأجندات المشبوهة، التي تتغذى على الفوضى والعنف وتهدد السلم الإقليمي والدولي.
ونحن نترقّب، في الأفق القريب، مبادرة أمريكية سعودية مشتركة، لصياغة رؤية استراتيجية، ترسم معالم خارطة طريق لمستقبل حضرموت؛ رؤية تجعل منها واحة أمن واستقرار وسط يمنٍ تمزقه النزاعات. بل إنّ الأمل معقود على أن تكون حضرموت النموذج الأمثل، سياسياً وأمنياً وتنموياً، لليمن ما بعد الحرب.
غير أن نجاح أي خطة، أو خارطة طريق، يبقى مرهوناً بتعاون المجتمع المحلي، وأبناء الأرض، فهم أهل الشأن، وأدرى بشعابها. ولكن، لا يخفى على أحد أن حضرموت تعيش حالة من التمزق والفرقة بين مكوناتها وشرائحها المختلفة؛ مما يشكل معضلة حقيقية قد تعيق أي جهد إصلاحي، سواء كان محلياً، أو إقليمياً، أو دولياً.
ومن هنا، فإنّ المسؤولية التاريخية تقتضي أن تسعى قوى الإقليم والعالم، وفي طليعتها المملكة العربية السعودية، إلى رعاية مصالحة حضرمية شاملة، لا تُقصي أحداً من أبناء حضرموت، بل تجمع الشمل، وتوحد الصف، لتمهيد الطريق أمام تعاون إقليمي ودولي يفضي إلى رؤية سياسية واقتصادية ناضجة، تحقق للحضارم آمالهم، وطموحاتهم في بناء مجتمع مدني آمن، مستقر، ومزدهر، لهم ولأشقائهم في اليمن الكبير.
وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح.