لعل الإجابة تكمن في طيات الحادثة المأساوية، التي شهدتها مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت قبل أيام، بحق 60 جنديا من أفراد النخبة الحضرمية، إذ لم تعرف حضرموت مثلها قط.
عشرات من الجنود ينطوون تحت كتيبة الحماية الرئاسية تعرضوا للاعتقال والضرب المبرح، أثناء تنفيذهم وقفة احتجاجية للمطالبة بصرف مرتباتهم بالعملة السعودية، أمام بوابة معسكر الربوة شرقي مدينة المكلا، والذي تشرف عليه قوات إماراتية.
الحادثة أشعلت الرأي العام وخلفت ردود فعل غاضبة واستهجانا واسعا في أوساط المجتمع الحضرمي.
في المقابل لم تحرك السلطة المحلية ولا القيادة الأمنية ساكنا، حتى الآن على الأقل.
وربما سيتم إغلاق الملف بأوامر عليا، طالما وأن القرار السياسي والعسكري مرهون بأيدي دول خارجية.
هذه الدول بحسب مراقبين، لا تعبأ لسيل دماء الآلاف من أرواح اليمنيين وهي تهدر في حرب خبيثة منذ نحو عقد من الزمن، ولا تكترث لتجويع شعب بأكمله وتجريعهم أزمات متتالية، فكيف لها أن تكترث لمجرد تعذيب عدد من الجنود الحضارم وحلق حواجبهم وشنباتهم ورؤوسهم!
رؤية زملائهم يتقاضون حوافز بالعملة السعودية، تتفاوت لاعتبارات غير مفهومة، ولا تقل عن ألف ريال سعودي “أي نحو 400 ألف ريال يمني” إضافة لمرتباتهم الأساسية، أثارت حفيظة أولئك الجنود حين وجدوا أنفسهم محرومين من الحافز دونا عن غيرهم، بينما لا يتجاوز مرتب الواحد منهم 60 ألف ريال يمني، بالرغم من أن الجميع يؤدون نفس المهام، وهو ما دفعهم رغم قلة عددهم للتجرؤ والخروج على القيادة.
فكيف إذن بمن صنعته الحرب من العدم ورفعته من القاع لأعلى الرتب، وأعتاد منذ 2015 على استلام بداية كل شهر مرتب لم يكن يحلم به، والعيش في رغد مقارنة بظروف الآخرين في القطاع العام؟
ترى ما الذي سيفعله مقاتلو الحزام الأمني ودفاع شبوة والنخبة الحضرمية والعمالقة والمقاومة الشعبية وحراس الجمهورية ودرع الوطن وغيرها من المسميات والألوية التي يفترض أنها تنضوي تحت الشرعية، حين يتفاجؤون بانقطاع الحافز السعودي أكثر من إقدامهم على الاحتجاج والتظاهر؟
سيفعلون ما هو أجرأ وأسوأ بكل تأكيد؛ فقد قيل: “قطع العادة عداوة”.
وطبقا لمحللين فإن مئات المقاتلين وربما الآلاف أو بالأرجح عشرات الآلاف في “المناطق المحررة” ممن يأتمرون للسعودية والإمارات يتمنون إطالة أمد الحرب، ورجائهم أن التحالف سيظل ينفق عليهم ببذخ كما يعتقدون، بينما التحالف في الأصل لا يعطيهم سوى الفتات مقابل نهب ثرواتهم جهارا نهارا.
لا ينظر التحالف إلى المقاتلين اليمنيين أكثر من كونهم “جنودا مؤقتين”، تنتهي مهمتهم بالموت أو الفرار وإما بانتهاء المعركة في أي وقت.
وفي جميع الأحوال، فهم لا يتمتعون بأي حقوق أخرى غير ما يمنح لهم أثناء القتال، ولا يبالي أحد بمصائرهم ولا بأوضاعهم المادية والاجتماعية والنفسية.
مراقبون يرون أن التحالف نجح في تطبيق المقولة الشهيرة “فرق تسد” تطبيقا عمليا، وصنع العشرات من أمراء الحروب، وضمن وفائهم وإخلاصهم.
ومن خلال وصايته المطلقة على الشأن العسكري في اليمن، ومعركته المزعومة ضد الانقلاب الحوثي، التي تبدو وهمية لكثيرين وهي تدخل عامها التاسع دون إحراز أي تقدم، استطاع التحالف القضاء على انتماء العسكر وولائهم، وتمكن من إفشال الشرعية وتعريتها بدلا من نصرتها.
بالتالي صار الجيش اليمني عبارة عن مئات الآلاف من المقاتلين مسلوبي القرار منزوعي الهوية والوطنية، وأصبحوا دون أن يدركوا “قنابل موقوتة”.
فريق منهم يقف نهاية كل شهر، في صفوف طويلة أمام محلات الصرافة، أملا بالظفر بإكرامية زهيدة من التحالف.
وفريق آخر يحرم منها رغم تقديمه الواجب نفسه والخدمة ذاتها، بل وينتظر أشهرا طوال حتى تصرف ستون ألفا لا تفي بأدني التزامات معيشته.
حالة من التفكك والتشظي يواجهها الجيش الوطني، وهو ما ينذر بوقوع كارثة حقيقية، فمن جهة إذا استمر التمييز بين الجنود، اندلعت اضطرابات داخلية خطيرة.
ومن جهة أخرى في حال انقطع الحافز السعودي، سنرى الجنود يتحولون ربما إلى قطاع طرق وعصابات ومليشيات، تعيث في الأرض فسادا تنهب هذا وتبطش بذاك.