في هذا المشهد الإقليمي المشحون بالتوتر، وسط الانهيارات المتلاحقة التي تضرب بنية الدولة الوطنية في أكثر من مكان، تقف حضرموت اليوم أمام مفترق طرق مصيري، لم يعد تجاهله ممكناً، ولا تأجيله مقبولاً. فالمراوحة في موقع المتفرج لم تعد خياراً مسؤولاً، ولا موقفاً يُحتمل تكراره.
حضرموت، التي لم تتورط في صراعات السلطة الدموية، ولم تبنِ مشروعها على الغلبة أو السلاح، تعبّر اليوم عن قلق مشروع تجاه ما يُرسم في الغرف المغلقة، وما يُراد من “تسويات” لا تعترف بخصوصيتها، ولا تُنصت لصوتها.
لقد خاضت حضرموت تجربة الدولة الجنوبية قسراً، وتجربة الوحدة بلا إستفتاء، ودفعت في الحالتين ثمناً باهظاً، ليس لأنها كانت متمردة، بل لأنها آمنت بوعود القومية، وكانت وطنية أكثر من اللازم، وصبورة أكثر مما ينبغي.
واليوم، حين تتحدث حضرموت، فإنها لا تفعل ذلك خصومةً مع أحد، ولا نكايةً بطرف دون آخر، بل لتعلن بوضوح:
“لن يُعاد إنتاج التهميش باسم الوحدة، ولن يُفرض الإقصاء تحت شعار استعادة الجنوب”
حضرموت لا تطلب امتيازات، بل تُصرّ على ضمانات.
لا تدعو إلى تفكيك الدول، بل إلى بنائها على أسس العدالة والتمثيل الحقيقي.
ولا تُلوّح بالانفصال، بل تذكّر أن احترام الإرادة المحلية هو الشرط الأول لأي دولة تتطلع إلى الاستدامة.
إن الدولة التي لا ترى في حضرموت سوى مورد أو جغرافيا صامتة يُستدعى وقت الحاجة، لن تملك أسباب البقاء.
وكذلك، فإن أي مشروع سياسي، جنوبياً كان أو يمنياً، يتجاوز حضرموت أو يسعى لفرض هويته وشكله وقيادته عليها، سيولد مشوّهاً، وعاجزاً عن الحياة.
لقد آن الأوان لإعلاء صوت العقل، لا صوت السلاح،
وآن الوقت لأن تُبنى الدول على إرادة شعوبها، لا على مقاسات المراكز.
حضرموت اليوم لا تملك فقط الحق في أن تُعبّر عن نفسها، بل تملك القدرة الكاملة على الدفاع عن مشروعها، مستندة إلى مشروعية التاريخ، وعمق الهوية، وحكمة المجتمع، وشراكة الإقليم، ولوبي واسع من أبنائها في العالم.
حضرموت ليست طرفاً على الهامش… حضرموت أُمّة عالمية.
ومن هنا، فإن أي بيان يصدر عن القوى الحضرمية الفاعلة، أو الشخصيات الوطنية الحريصة، لا ينبغي أن يُفهم كخروج عن الدولة، بل كمساهمة حقيقية في إعادة تعريفها، وإنقاذ ما تبقى منها، وإعطائها فرصة للحياة من جديد.
حضرموت لم تكن يوماً طامعة، لكنها ترفض أن تكون ضحية لمعادلات لا تعنيها، أو مشاريع لا تمثلها.
وإذا ما لاحت بوادر لمحاولات إقصاء حضرموت أو مصادرة إرادتها، فإن لها من أدوات التاريخ، وحقائق الجغرافيا، ومنطق العدالة، ما يكفي لتحديد طريقها بنفسها، بكل حكمة، ولكن أيضاً بكل حزم.