في خضم الجدل المتصاعد حول مستقبل الجنوب ومشاريعه السياسية، تبرز قضية حضرموت ومطلب الحكم الذاتي كواحدة من أهم القضايا التي تستوجب نقاشًا مسؤولًا وفهمًا عميقًا، خاصة من إخواننا الساسة والمثقفين والكتاب والصحفيين في المحافظات الجنوبية، وحتى بعض الحضارم أنفسهم.
لقد عبّرت حضرموت، عبر حلف قبائل حضرموت وبعض مكوناتها المجتمعية الأخرى، عن موقف واضح وصريح يطالب بالحكم الذاتي للمحافظة. هذا المطلب هو ثمرة لهبة شعبية متواصلة منذ أكثر من تسعة أشهر، وما تزال مستمرة.
وهو ليس مطلبًا طارئًا أو خاضعًا لحسابات آنية، بل هو حصيلة تراكم طويل من التهميش والإقصاء ونهب الثروات، وشعور عميق لدى أبناء حضرموت بأنهم الأحق بإدارة أرضهم وخيراتهم، وتقرير مصيرهم بما يليق بتاريخهم ومكانتهم.
ومن المؤسف أن نرى بعض أبناء حضرموت أنفسهم – ممن يدورون في فلك مشاريع غير حضرمية – يشيطنون هذا المطلب الشعبي، ويصورونه كتهديد لوحدة الصف الجنوبي أو خروج عن مشروع الدولة الجنوبية، تلك الدولة التي كان الحضارم من أوائل من نادوا بعودتها بعد حرب صيف 1994م، قبل أن يتبناها لاحقًا المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يصف نفسه اليوم بالحامل لمشروعها. فقائد الثورة الجنوبية ومؤسسها هو الحضرمي حسن أحمد باعوم، ومعه رفاق دربه من أبناء حضرموت، وكانت الانطلاقة من حضرموت وبعد سنوات تعمم المشروع ونزل الشعب للشارع يطالب بهذا المشروع.
وهنا نود أن نؤكد على جملة من الحقائق:
أولًا: إن مطلب الحكم الذاتي لحضرموت لا يتعارض مع مشروع الدولة الجنوبية على حدود 1990م، بل يتكامل معه ويثريه. فكما يطالب الجنوبيون بحقهم في استعادة دولتهم، يطالب الحضارم بحقهم في إدارة شؤونهم ضمن كيان يحترم التعدد والتنوع، لا يذيب الجميع في مركزية جديدة بوجه مختلف.
وما الشعارات عن الدولة الفيدرالية وغيرها، إلا حبر على ورق، ما دمنا نشهد التهميش والإقصاء داخل أروقة المجلس الانتقالي الجنوبي قبل حتى قيام الدولة.
وفي المقابل، فإن المجلس الانتقالي الجنوبي شريك اليوم في شرعية صنعاء، فهل يُلام الحضارم إن سعوا لبناء كيان خاص بهم يحميهم من أطماع صنعاء وعدن معًا؟
ثانيًا: على الجميع أن يعلم أن حلف قبائل حضرموت، بقيادة الشيخ عمرو بن حبريش العليي، ليس طارئًا على المشهد، بل هو القلب النابض للمشروع الحضرمي.
ومن رحم هذا الحلف وُلدت قوات النخبة الحضرمية، بل إن تأسيس هذه القوات كان أحد أبرز أهداف الحلف، وبياناته شاهدة على ذلك.
وكانت البداية في 17 أبريل 2015م، حين تحرك حلف قبائل حضرموت لتحرير موقع حماية الشركات النفطية بهضبة حضرموت من القوات اليمنية الشمالية، دون أن يمتلكوا حينها أي قوات نظامية، بل كانت تلك اللحظة بذرة لميلاد قوة حضرمية خالصة، مهدت الطريق لتأسيس قوات النخبة الحضرمية.
وقد شارك حلف قبائل حضرموت، وعلى رأسه الشيخ عمرو بن حبريش العليي، شخصيًا في معركة تحرير ساحل حضرموت من تنظيم القاعدة، إلى جانب قوات النخبة الحضرمية والتحالف العربي، وعلى رأسه دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، التي كان لها الدور الأبرز في دعم تلك القوات وتحقيق النصر.
ومع تأسيس النخبة الحضرمية، انتقل أبناء القبائل من العمل القبلي التطوعي إلى العمل النظامي العسكري، ليشكلوا نواة قوة عسكرية حضرمية خالصة، رفضت الإرهاب بكل أشكاله، وكانت حجر الزاوية في استقرار حضرموت طوال السنوات الماضية.
أما بالنسبة لقوات حماية حضرموت، فهي مشروع داعم لقوات النخبة الحضرمية، يهدف إلى تعزيز حضور الحضارم في السلكين العسكري والأمني بما يتناسب مع مساحة حضرموت وطبيعتها، وذلك لضمان عدم تصدير أي تشكيلات عسكرية أو أفراد من خارج المحافظة تحت أي ذريعة أو مبرر. أفلا يُعقل أن تكون هناك مناطق محددة تملك تشكيلات عسكرية بعشرات الآلاف، ويتم تصدير أفرادها إلى مختلف المناطق، بينما يُمنع أبناء حضرموت – رغم جاهزيتهم واستعدادهم للتضحية من أجل أرضهم – أو يُسمح لعدد محدود منهم فقط؟
ثالثًا: إن المشروع الحضرمي لا يتبع أي أجندة يمنية شمالية، ولا يخضع لأي نفوذ زيدي أو حوثي كما يروّج البعض. إنه مشروع حضرمي صرف، نابع من إرادة شعب حضرموت، الذي يرى أن خيراته وثرواته يجب أن تُوظف لمصلحته هو، لا أن تُدار من خارج جغرافيته أو تُستنزف لصالح مشاريع لا تمثله.
رابعًا: الحضارم، بمطالبتهم بالحكم الذاتي، لا يسعون للقطيعة مع إخوتهم في الجنوب، بل يطمحون إلى شراكة عادلة، تُبنى على الاحترام المتبادل، والتوزيع العادل للسلطة والثروة، والاعتراف بخصوصية حضرموت كإقليم له ثقافته وتاريخه وهويته ومكانته.
خامسًا: نطالب بأن يكون أمن حضرموت وجيشها من أبنائها فقط، دون وجود أي تشكيلات عسكرية من خارج المحافظة، سواء كانت شمالية أو جنوبية.
فالأمن الحقيقي لا يتحقق إلا عندما يشعر المواطن أن من يحميه هو ابن منطقته، ويشاركه همومه وطموحاته.
ختامًا: نقول لإخواننا في الجنوب: لا تنظروا إلى حضرموت كند، بل كشريك حقيقي يسعى لبناء نموذج يحترم الجميع. ومن أراد جنوبًا عادلًا وقويًا، فعليه أن يبدأ من احترام مطالب حضرموت، لا بتخوينها أو تسفيه صوتها.
وعلى الساسة من أبناء حضرموت أن يكونوا إلى جانب مشروع حضرموت، لا أن يشيطنوه من أجل مشاريع أخرى، هم أنفسهم يُمارَس ضدهم فيها التهميش والإقصاء من حين لآخر.