في زمن تعيد فيه الجغرافيا السياسية تشكيل نفسها بقوة الشعوب، تبرز حضرموت اليوم كرمز لإرادة ترفض أن تدفن تحت ركام التهميش أو تسخر من أحلامها.
اجتمع الحضارم في #الهضبة اليوم في “لقاء حضرموت التاريخي” الذي دعت إليه قبائلها، ليس مجرد حدث عابر، بل هو بداية كرة ثلج تتدحرج ببطء وحزم، حاملة معها تطلعات شعب يرفض أن يكون رقما في معادلة السلطة، ويصر على أن يكون صانعا لمصيره.
كرة الثلج التي لن توقفها سخريتكم التي لا تختلف عن سخرية النظام السابق بقيادة علي عبدالله صالح من مطالب الحراك الجنوبي العادلة قبل سنوات، فمن يسخر اليوم من الحشود الحضرمية التي التفت حول نداء الحلف القبلي، واصفين المشهد بـ”الشردمة” كما كان يصف نظام صالح الحراكيين”ببقايا الهنود والصومال” كانت مصطلحات جوفاء أطلقها من أرادوا إخماد صوت الحق، لكن التاريخ يثبت دائما أن السخرية من شعلة التغيير لا تطفئها، بل تزيدها اشتعالا.
كرة الثلج التي تبدأ صغيرة في قمة الجبل، لا يلاحظها أحد في البداية، قد يستهين بها بعضنا، أو يسخر من حجمها الضئيل، لكنها مع كل دورة، تكتسب كتلة وزخما، حتى تصير جبلا متحركا لا يقف في وجهه شيء، هكذا هي الحركات الشعبية الحقيقية تبدأ بنداء خافت، ثم تتحول إلى زئير يهز أركان السلطة، الحراك الجنوبي كان كرة الثلج ذاتها، وحضرموت اليوم تكرر المشهد بوعي أكبر وإصرار أعمق.
حضرموت اليوم تعلن تقرير مصيرها في مسار لا عودة عنه، اجتماع اليوم ليس مجرد تجمع احتفالي، بل هو إعلان واضح بأن الحضارم لم يعودوا يقبلون بأن يداروا من خارج ديارهم، إنه رد عملي على عقود من الإقصاء، حيث تحولت حضرموت برغم ثرواتها وموقعها الاستراتيجي إلى منطقة تنهب مواردها بينما يحرم أبناؤها من أبسط حقوقهم.
هنا تكمن قوة التشبيه الآخر #التسونامي ، قد تبدأ موجة صغيرة في المحيط، لكنها تتحول إلى جدار مائي يكتسح كل شيء، المطالب المشروعة للحضارم ليست مجرد شعارات، إنها طاقة متراكمة ستجرف كل محاولة لتكميم الأفواه أو تأجيل الحلول، فالشعوب التي تحاصر بالسخرية أو القمع، تتحول مطالبها مع الوقت إلى قوة طبيعية لا تجارى، كالنار التي تبدأ بشرارة ثم تلتهم الغابة كلها.
فل نستفيد من دروس التاريخ فلا تستهينوا بأصحاب القضايا العادلة ، عندما سخر نظام صالح من الحراك الجنوبي، ظن أن السخرية ستسقط الحركة في مهدها، لكن الكرة كانت قد تدحرجت، والنتيجة كانت تصاعدا لا ينكر نحو المطالبة بالانفصال، اليوم يكرر الساسة الخطأ ذاته مع حضرموت، متناسين أن السخرية من شعب يطالب بحقه في الحكم الذاتي ليست سوى وهم قصير الأمد، فالشعوب التي تحمل قضية عادلة لا تموت أحلامها تنتظر فقط اللحظة التي تتحول فيها الدماء إلى وقود، والسخرية إلى إصرار.
لذلك وجب علينا تحذير القادة السياسية للبلاد أن الحل ليس في القمع، بل في العدل، وعلى القادة السياسيين في الداخل والخارج أن يستوعبوا الدرس فلا يمكن كسب الوقت بإهمال المطالب المشروعة، أو بتكرار أخطاء الماضي، فحضرموت لم تعد تقبل أن تدار من صنعاء أو غيرها، وهي اليوم تضع العالم أمام خيارين إما الاعتراف بحقها في تقرير مصيرها وإدارة شؤونها بنفسها، أو مواجهة كرة الثلج التي ستتحول إلى انهيار ثلجي يدفن كل محاولات الإلغاء.
حان وقت الحلول الجذرية فالسخرية من الحشود الحضرمية اليوم هي نفس السخرية من كل الثورات في بداياتها، لكن التاريخ لا يرحم من يتجاهلون إرادة الشعوب، حضرموت تعلن للعالم أنها كرة الثلج التي بدأت تتدحرج، والتي لن يتوقف مسارها إلا بتحقيق الحكم الذاتي، وبناء نظام يحترم إرادة أبنائها، فكما قال الشاعر
“لا تسخروا من دمعتي فلربما ،، يكون انهمار السيل من سببها”.
الوقت ليس في صالح المتفرجين، فإما أن تفتح أبواب الحوار العادل مع الحضارم، أو ستفتح أبواب أخرى لا يحمد عقباها، لأن كرة الثلج مثل التسونامي والنار لا تعرفا الرحمة