حضرموت أكبر محافظة يمنية على الإطلاق، مساحة،وسكانًا وثروة،وحضارة .
لحضرموت خصوصية لم تعترف بها كل الأنظمة السياسية التي تعاقبت على حكمها قبل الوحدة، وبعدها .
فلم يستوعب حكام دولة الجنوب أهمية حضرموت،فظلت جيبًا تابعًا للمركز المقدس الذي كان مقر قيادته عدن،تعاقبت على قيادته القريتين مودية والضالع ،تبادلتا الأدوار على الجنوب من خلال التحالف حينًا، والصراع أحيانًا، لكن ظلت القسمة ثابتة، لا تخرج عن إطار القريتين في كل مرة، وبعد كل جولة اتفاق،أو اختلاف تجود كل قرية بالفائض على أتباعها من بقية المحافظات .
لم تحترم دولة الجنوب،ولا دولة الوحدة مكانة حضرموت الجغرافية،ولا الحضارية،ولا أهميتها الاقتصادية؛ بما يمثله رأس المال الحضرمي من أهمية، وماله من تأثير على امتداد الجزيرة، والخليج، وشرق أسيا، والقرن الأفريقي قبل ظهور النفط الذي عليه مدار الصراع المحلي، والإقليمي، والدولي اليوم .
وفي زمن الوحدة اقتفى صالح أثر من قبله، وبنى سياسته على أساس النظرة التي كونتها قوى النفوذ الجنوبية عن الحضرمي، وفقًا للصورة النمطية التي رسختها قوى النفوذ الجنوبية عن حضرموت أبان حكمها،ولاتزال لليوم لم تتجاوزها ،فقدمت تجربتها لصالح كعربون صداقة.
منحت قوى النفوذ الدولية نظام صالح الإذن باستخراج النفط،على أن يكون التنقيب محصورًا في مناطق معينة،وبكميات محدودة ،مراعاة لمشاعر الجيران الإقليمين،ومصالح المتعهدين الدوليين،تم استخراج النفط،وبِيْعَ، وأُكل ثمنه لثلاثة عقود خلت،وظل نصيب حضرموت من عائدات النفط مثلها مثل أي محافظة لاتنتج سوى الكراث !
ركز النظام السابق تواجده العسكري في محافظة حضرموت بشكل مكثف؛ للهيمنة على منابع النفط؛ وحراستها كشركة أمنية متعهدة للشركات الدولية، وليس جيشًا وطنيًا، بقوات كلها من الهضبة، قيادة، وأفرادًا،ولم يعيِّن فيها قائدًا حضرميًا،ولو كومبارس،أو محافظًا كرزائيًا على الطريقة الأمريكية في أفغانستان .
منطقتين عسكريتين تتبعها عشرات الأولوية،كلها من ذوي البشرة الحمراء، تتمركز في محافظة مسالمة لا تسمع فيها حتى أصوات الألعاب النارية ! وأهلها أكثر الناس احترامًا للقانون على مستوى العالم .
ولأن العيب مكسور الجناح كما يقول المثل الشعبي ،تحولت هذه القوات إلى عقدة المنشار،وسؤال محرج للتحالف، والقوى المحلية بشقيها الشرعي، والحوثي،يهرب الجميع من الإجابة عليه، رغم سباق معظم الأطراف لكسب ولاء هذه القوات،وحاجتها إليها،لذا لم تتوافق على توصيفها، توصيفًا قانونيًا مقنعًا،من حيث مهامها الدستورية،ووجودها ،وتبعيتها المباشرة ،فظلت هذه القوات لغزًا محيرًا،وسؤالًا محرجًا يهرب الجميع من الإجابة عليه،هربًا من تبعاته المكلفة .
فإذا كانت هذه القوات تتبع الشرعية،فالمؤسسة العسكرية ضامنة للدستور،يحق لها أن تتدخل تدخلًا مباشرًا في الحرب،أو فرض حالة الطوارئ في البلاد حتى عودة السلطات المدنية ،فلماذا لم تتحرك هذه القوات حتى بعد سقوط عاصمة الدولة؟
عشر سنوات وقيادة هذه القوات، وأفرادها يذهبون، ويعودن إلى قراهم في محافظات الهضبة دون أن يعتقل الحوثي أيًا من قادتها، ولا ضباطها، ولا أفرادها،في حين إذا سافر أي جندي ممن ينتسبون إلى جيش الشرعية الذي لا يعرف أفراده حتى أين تقع مقر وحداتهم يتم اعتقاله فورًا، ويتم تفتيش حتى جولاتهم .
هناك أسئلة كثيرة، وأن كانت تبدو ساذجة لكنها محيرة ،لماذا لم تغادر هذه القوات معسكراتها، كما فعلت كل وحدات الجيش اليمني في طول اليمن وعرضها؟ من يدفع مرتبات هؤلاء؟ومن أين تحصل هذه القوات على الدعم اللوجستي من امدادت ومؤن ؟
أثبتت عشر سنوات من الحرب أن هناك اتفاق دولي على تحييد حضرموت من أي صراع مسلح،وإخراجها من حسابات القوى السياسية المحلية جنوبية كانت، أو شمالية، وهذا ما لم تفهمه القوى المحليةالمتصارعة على تركة صالح في حضرموت،ولم تستوعب المتغير الدولي،ولا حقيقة مايراد لحضرموت مستقبلًا.
الإصلاح ،والانتقالي والحوثي وجنوبيو الشرعية فالإصلاح حزب تم إخراجه من المحافظات التي يتمتع فيها بحضور شعبي، وصادر الحوثي مقراته ،وحضر نشاطه فيها، فأراد حضرموت وطنًا بديلًا على الطريقة اليهودية .
والانتقالي مكون مناطقي لم يقبل أحدًا،فبعد أن قدم نموذجًا مشوهًا في عدن، انطلق إلى حضرموت مشكلًا مليشيات مناطقية، اكتفى بمنح حضرموت منها اسم (بارشيد) الذي أطلقه على هذه المليشيات، بينما الحوثيون ينتظرون تسوية سياسية تقضي لهم بمهر المثل، وفقًا للحسابات القديمة أن تمت،وأن تعطلت فعلي وعلى أعدائي .
بقي جنوبيون الشرعية، وأن شئت سمهم الرفادة،هولاء مثل الأعراب الذين يجوبون السهول، والأودية بحثًا عن الماء والمرعى،فأينما وجدوا المرعى نصبوا خيامهم .