سياسة التعويم وانهيار العملة: الشعب في مرمى الخطر بقلم عبدالجبار باجبير

 

في ظل ما تشهده البلاد من أزمات متلاحقة وحرب مستمرة تشنها مليشيا الحوثي، يظهر جليًا أن الشعب أصبح الهدف الأول للسياسات التي تزيد من تفاقم معاناته.

انهيار العملة المستمر يمثل أخطر هذه الأزمات، حيث بات المواطن عاجزًا عن تحمل الأعباء اليومية التي تتزايد بشكل مطرد.

ليس خافيًا على أحد أن العملة الوطنية أصبحت في مهب الريح، وأن قيمتها تتهاوى يومًا بعد يوم، الأسعار في الأسواق ترتفع بشكل جنوني، والرواتب التي يتقاضاها الموظفون لم تعد قادرة على تغطية احتياجاتهم الأساسية.

ما كان يُعتبر سابقًا من ضروريات الحياة، أصبح الآن ترفًا لا يستطيع الغالبية توفيره.

إن سياسة التعويم التي اتخذها محافظ البنك المركزي اليمني السابق، منصر القعيطي، في أغسطس من العام 2017، بتعويم سعر الريال الوطني وإلغاء التعامل بسعر الصرف الرسمي 250 ريالًا للدولار الواحد، انعكست بشكل سلبي ،ورغم أن سعر الصرف أمام الدولار قبل قرار تعويم العملة لم يتجاوز 400 ريال في الصرافات، إلا أن العملة فقدت ثباتها، وأدت موجة الغلاء إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع والمواد الغذائية.

ظل الوضع المالي في البنك المركزي على نفس الحال من قبل القيادات المتعاقبة، واستمرت هذه السياسات تحت ذرائع مختلفة، لكنها تحولت بمرور الوقت إلى كارثة حقيقية، حيث تم تعويم العملة في وقت غير مناسب وبدون اتخاذ التدابير الاقتصادية اللازمة لدعم الاقتصاد المحلي والعملة المحلية.

النتائج كانت كارثية: ارتفاع معدلات التضخم، انهيار قيمة العملة، وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين.

قد يتساءل البعض: لماذا نستمر في هذه السياسة رغم وضوح فشلها؟ الإجابة بسيطة: إما أن هناك إصرارًا غير مفهوم على تطبيقها، أو أن هناك جهات مستفيدة من هذا الوضع الكارثي.

الشعب هو الضحية الأكبر، بينما تتضاعف ثروات البعض بشكل غير عادل وغير أخلاقي.

ليس من العدل أن يتحمل الشعب وحده نتائج هذه السياسات الخاطئة.

يجب اتخاذ قرارات جريئة وعاجلة لإنقاذ الوضع.

أول الخطوات هي وقف التعويم فورًا، والبحث عن حلول بديلة تدعم الاقتصاد المحلي وتخفف من معاناة المواطنين.

ثانيا يجب إعادة هيكلة السياسات الاقتصادية لتكون أكثر عدلاً وتوازنًا، بحيث تضمن استقرار العملة وحماية مستوى معيشة المواطنين.

 

في ظل هذه الظروف الصعبة، لا يطلب الشعب المستحيل، كل ما يريده هو أن يعيش بكرامة، وأن تكون لديه القدرة على توفير احتياجاته الأساسية دون خوف من الغد.

الحلول ممكنة، لكنها تتطلب إرادة سياسية حقيقية واستجابة سريعة لصرخات المواطنين التي لم تعد تحتمل المزيد من الإهمال والتجاهل.

 

عندما صدر قرار التعويم بسبب الأزمات الاقتصادية التي صاحبت الحرب مع مليشيا الحوثي، كان قبلها قرار الرئيس عبدربه منصور هادي في سبتمبر 2016 بنقل المقر الرئيسي للبنك المركزي اليمني إلى عدن وتعيين منصر صالح محمد القعيطي محافظًا للبنك المركزي خلفًا لمحمد بن همام، جزءًا من محاولة لمواجهة استنزاف الحوثيين للاحتياطي الأجنبي الذي تراجع من أربعة مليارات دولار قبل الحرب إلى مليار دولار.

حيث خصص الحوثيين جزء كبير من هذا الاحتياطي لتمويل الحرب ضد الشرعية،بحسب ما قالت الشرعية في ذلك الوقت.

 

ومع نهاية العام 2016، لجأ محافظ البنك المركزي، منصر القعيطي، إلى طباعة 400 مليار ريال من النقود بدون غطاء نقدي لمواجهة أزمة السيولة، رغم ان أحد الأسباب لنقل البنك المركزي لعدن لمنع الحوثيين لطباعة هذا الكمية الكبيرة من المبلغ ومخاطبة روسيا لمنع طباعة هذا المبلغ.

لكن طباعة العملة لاحقاً أدى إلى استمرار انهيار العملة المحلية، حيث لم توفر الحكومة أي موارد مالية تغطي العجز الحاصل في الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة، رغم إعادة تصدير النفط وتقديم ودائع مالية من السعودية ودول أخرى، وإعادة تفعيل حسابات البنك المركزي بالخارج.

 

في الوقت نفسه، حافظ البنك المركزي في صنعاء، الذي يسيطر عليه الحوثيون، على قيمة العملة بفارق كبير عن عدن، لأسباب كثيرة أبرزها رفض سياسة التعويم وحصولهم على العملة الصعبة عبر الحوالات المالية من الخارج، والتي تصل إلى جميع المحافظات، بما فيها تلك التي تسيطر عليها الشرعية.

ومع محاولات محافظ البنك المركزي في عدن، أحمد غالب المعبقي، لتجفيف منابع الحوثيين بإلغاء تراخيص عدد من البنوك في مناطق سيطرة الحوثيين، مارس المجتمع الدولي ضغوطًا لوقف هذه الإجراءات، مما أدى إلى استمرار الانهيار المتسارع للعملة.

 

ختامًا، يجب وقف تعويم العملة فورًا، لأن الحكومة غير قادرة على وضع حلول رادعة لانهيار العملة، ولا تمتلك سياسات نقدية لإنقاذ الوضع. المواطن يصرخ، وإذا استمر الوضع على هذا الحال، فإن الجوع سيقتل عددًا كبيرًا من هذا الشعب.

وإذا لم ينهض الشعب ضد مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، فثورة الجياع قد تكون الخيار الأخير.

وعلى التحالف العربي، ممثلًا بالسعودية والإمارات، القيام بدور حقيقي وفعّال.

إذا استمر الانهيار، سيقف الشعب ضد من يحمي هذه الحكومة ومجلس القيادة في نهاية المطاف.

قم بمشاركة الخبر
واتساب
فيسبوك
تويتر
شاركنا رأيك بالتعليق في الأسفل
الشيخ محمد البسيري.. صوت الحكمة في زمن الأزمات الحضرمية بقلم الأستاذ صديق محمد بافضل
حضرموت تثبّت مشروعها في لقاء تاريخي مفصلي رغم الشائعات بقلم عبدالجبار باجبير
الخارجية اليمنية واعتذار الزنداني بقلم علي العقبي
“مأرب وضجيج أصبع محروس” بقلم رشاد عبدالله
“حضرموت وكرة الثلج التاريخية” بقلم محمد أنور العدني
آخر الأخبار
المزيد